اختبار دم جديد يمكنه التنبؤ بألزهايمر قبل ظهور أعراض المرض بسنوات
يتطور ألزهايمر خلال سنوات، بل وعقود أحيانا. ولا يتم تشخيص حالاته حتى تبدأ أعراض الضعف الإدراكي في الظهور على المريض. فهل من الممكن أن يتيح التقدم العلمي الكشف المبكر عن ألزهايمر؟
أفادت دراسة حديثة أنه من الممكن لنوع جديد من اختبارات الدم أن تكشف عن مرض ألزهايمر قبل سنوات من ظهور أي أعراض لفقدان الذاكرة أو الضعف الإدراكي على المريض. ونشرت الدراسة بدورية “بروسيدنغز أوف ناشونال أكاديمي أوف ساينسز” (PNAS) يوم 9 ديسمبر/كانون الأول الجاري.
تراكمات ضارة
وبشكل عام، فإن ألزهايمر لا يتم تشخيصه إلا بعد ظهور علامات معروفة -مثل فقدان الذاكرة- على المريض. وعند الوصول لهذه الحالة، فإن أفضل خيارات العلاج تتمثل في إبطاء المزيد من تطور الأعراض.
غير أن الدراسات قد أشارت إلى أن بذور المرض تغرس خلال سنوات، بل وأحيانا عقود طويلة قبل ظهور الإعاقة الإدراكية على المريض، الأمر الذي يجعل تشخيص المرض ممكنا.
وبذور المرض هي بروتينات تعرف باسم “أميلويد-بيتا” (Amyloid-β). وعندما تتعقد (تُطوى) هذه البروتينات بشكل خاطئ وتتجمع معا، فإنها تكون كتلا صغيرة من وحدة بروتينية مكررة تسمى “الأوليغومرات” (Oligomers). وبتقدم المرض، يتسبب تراكم هذه “الأوليغومرات” في تطور مرض ألزهايمر، وذلك من خلال آلية غير معروفة تماما للعلماء.
ووفق البيان الصحفي الذي نشرته جامعة واشنطن (University of Washington) فقد طور باحثوها اختبارا معمليا يمكنه قياس مستويات “أوليغومرات أميلويد-بيتا” في عينات الدم. وقد أطلق على الاختبار اسم مختصر هو “سوبا” (SOBA).
اختبار كاشف
وقد ساعد اختبار الدم “سوبا” في الكشف عن “أوليغومرات أميلويد-بيتا” في الدم المأخوذ من مرضى ألزهايمر، بينما لم يظهر له أي أثار في معظم أعضاء المجموعة الضابطة (غير المصابة بالمرض) الذين لم يظهر عليهم أي علامات ضعف إدراكي وقت سحب عينات الدم منهم.
وعلى الرغم من ذلك، فقد كشف التحليل عن وجود القليل من “أوليغومرات أميلويد-بيتا” في 11 فردا من أعضاء المجموعة الضابطة. وقد كانت سجلات الفحص والمتابعة الخاصة بـ 10 من هؤلاء الأفراد متاحة.
وقد تم تشخيص أعراض ضعف إدراكي طفيف أو أمراض دماغية تتوافق مع ألزهايمر في هؤلاء الأفراد وذلك بعد سنوات من إجراء الاختبار. ومن ثم فإن الاختبار قد اكتشف “الأوليغومرات” الضارة في هؤلاء الأفراد قبل ظهور أعراض المرض عليهم بسنوات.
وبهذا الصدد، أشارت قائدة الدراسة وأستاذة الهندسة الحيوية بجامعة واشنطن، فاليري داجيت، أن “ما يريده الأطباء والباحثون هو اختبار تشخيص موثوق لألزهايمر، وليس اختبار ما يؤكد الإصابة بالمرض. بل إنهم يريدون اختبارا يمكنه الكشف عن المرض قبل حدوث مؤشرات الضعف الإدراكي”.
آلية الاختبار
وتضيف داجيت قائلة “اختبار سوبا قد يكون الأساس للكشف عن المرض قبل حدوثه” حيث يستغل خاصية فريدة بهذه “الأوليغومرات” الضارة. فعندما تبدأ بروتينات “أميلويد-بيتا” العطبة في التكتل لتكوين “الأوليغومرات” فإنها تشكل بنية بروتينية لا توجد في الحالات الطبيعية وتعرف باسم “صفائح ألفا” (Alpha sheet).
وقد أشارت دراسة سابقة أجرتها داجيت وفريقها أن “صفائح ألفا” تميل إلى الارتباط بغيرها من صفائح ألفا. ولذا، قام الفريق بتصميم صفائح ألفا اصطناعية كجزء من اختبار “سوبا” بحيث يمكنها الارتباط “بالأوليغومرات” الموجودة بعينات السائل النخاعي أو الدم.
ويستخدم الاختبار بعد ذلك طرقا قياسية للتأكد من أن “الأوليغومرات” المرتبطة بسطح الاختبار هي بروتينات “أميلويد-بيتا”.
وقد قام الفريق بتجربة الاختبار على عينات دم 310 أشخاص ممن لم يكن لديهم أي علامات ضعف إدراكي، أو كان لديهم ضعف إدراكي طفيف، أو كانوا مصابين بألزهايمر أو أيٍ من أشكال الخرف.
دقة في الكشف
تمكن الاختبار من الكشف عن “الأوليغومرات” في دم الأفراد المصابين بضعف إدراكي طفيف وكذلك في مرضى ألزهايمر، سواء أكانت حالتهم المرضية حادة أو متوسطة.
وقد تم التأكد من صحة الاختبار (بأنه كاشف لألزهايمر) في 53 حالة، وذلك بعدما توفيت هذه الحالات وتم أخذ عينات منها للتشريح. الجدير بالذكر أن الاختبار قد كشف عن وجود “الأوليغومرات” الضارة في 52 من هؤلاء الأفراد في عينات الدم التي أخذت منهم قبل سنين من وفاتهم.
كما أظهر الاختبار وجود “الأوليغومرات” في عينات المجموعة الضابطة (التي لم تكن مصنفة بادئ الأمر بأن لديها أي أعراض ضعف إدراكي. وقد أصيب هؤلاء الأفراد لاحقا بضعف إدراكي طفيف. بينما كانت نتائج الاختبار سلبية في بقية أفراد المجموعة الضابطة، ولم يظهر عليهم أعراض ضعف إدراكي لاحقا.
ويعمل الفريق حاليا على تطوير وتوسيع نطاق الاختبار وجعله اختبارا تجاريا كاشفا عن وجود “الأوليغومرات” مما قد يمنح المرضى الرعاية اللازمة قبل سنوات من تطور المرض.