أبحاث ودراساتالأخباردراسات
دراسة لمجلة لانسيت الطبية.. تفشي البكتيريا المقاومة للأدوية في غزة وسط انهيار للقطاع الصحي
مجلة لانسيت :
يشهد القطاع الصحي في غزة دمارًا واسع النطاق نتيجة للغزو العسكري الإسرائيلي المستمر منذ أكتوبر 2023، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية والصحية بشكل غير مسبوق. في ظل هذه الظروف القاسية، برزت تحديات خطيرة تتعلق بانتشار البكتيريا المقاومة للأدوية المتعددة (MDR)، مما يهدد حياة الآلاف ويزيد من تعقيد جهود الاستجابة الطبية. يسلط هذا التقرير الضوء على النتائج المقلقة لدراسة أجرتها مجلة The Lancet Infectious Diseases، والتي تكشف عن حجم الأزمة وتأثيرها على قدرة النظام الصحي المنهار على التعامل مع الإصابات والأمراض المعدية. تعكس هذه الدراسة الواقع المرير الذي يواجهه سكان غزة، حيث أصبحت أبسط الإصابات تشكل تهديدًا مميتًا بسبب تفشي المقاومة للمضادات الحيوية ونقص الإمدادات الطبية الأساسية.
منهجية الدراسة والنتائج الرئيسية
أجريت الدراسة في مستشفى الأهلي العربي بمدينة غزة، وهو أحد المستشفيات القليلة التي لا تزال تعمل جزئيًا، معتمدة على مولدات الديزل ومحولات البطاريات لتوفير الطاقة. تم جمع 1317 عينة أولية من المرضى بين 1 نوفمبر 2023 و 31 أغسطس 2024. شملت العينات بشكل أساسي مواد الجروح (67.3%)، وعينات البول (28.2%)، وأنواع أخرى من العينات (4.5%). تم زرع العينات في غضون ساعة واحدة من جمعها وتحديد أنواع البكتيريا واختبار حساسيتها للمضادات الحيوية باستخدام طريقة انتشار القرص (Kirby–Bauer disc diffusion).
أظهرت النتائج نموًا بكتيريًا في 982 (74.6%) من أصل 1317 عينة. كانت الغالبية العظمى من هذه العينات (76%) مأخوذة من مواد الجروح، مما يؤكد العبء الهائل للإصابات البالستية والرضية التي يعاني منها السكان. كانت أنواع البكتيريا الأكثر شيوعًا هي Pseudomonas aeruginosa (28.4% من العزلات)، تليها Staphylococcus aureus (22.4%)، و Klebsiella spp (18.5%)، و Escherichia coli (17%).
مقاومة المضادات الحيوية
كانت النتائج المتعلقة بمقاومة المضادات الحيوية مقلقة للغاية:
•المقاومة المتعددة للأدوية (MDR): ثلثا جميع العزلات (66.9%) كانت مقاومة للأدوية المتعددة، مما يعني أنها لا تستجيب لثلاثة أو أكثر من فئات المضادات الحيوية. كما أن 86.3% من العزلات كان لديها مؤشر مقاومة مضادات حيوية متعددة (MAR) أكبر من 0.20، بمتوسط 0.60، مما يشير إلى ضغط انتقائي مستمر على البكتيريا.
•مقاومة بكتيريا الأمعاء (Enterobacterales spp): أظهرت هذه البكتيريا مقاومة عالية جدًا للمضادات الحيوية الشائعة. أكثر من 90% من عزلات الجروح كانت مقاومة لأموكسيسيلين-كلافولانات، سيفوروكسيم، وسيفوتاكسيم. كما كانت المقاومة للسيفتاكسون والسيفتازيديم مرتفعة بشكل ينذر بالخطر (83.4% و 79.7% على التوالي)، مما يشير إلى انتشار واسع لبكتيريا Enterobacterales المنتجة لإنزيمات بيتا-لاكتاماز واسعة الطيف (ESBL).
•مقاومة الميروبينيم: وصلت عدم حساسية الميروبينيم، وهو مضاد حيوي قوي، إلى 63.8% في بكتيريا Klebsiella spp.
•مقاومة Pseudomonas aeruginosa: أظهرت هذه البكتيريا مقاومة متعددة للأدوية بنسبة 33.1% ومقاومة للكوليستين بنسبة 16.1%.
•مقاومة Staphylococcus aureus: تم العثور على Staphylococcus aureus المقاوم للميثيسيلين (MRSA) في 65.6% من العينات، ووصلت عدم حساسية الفانكوميسين إلى 53.7% بين عزلات S aureus.
لم يلاحظ تغيير كبير في انتشار مقاومة الأدوية المتعددة بين الفترتين الزمنيتين (نوفمبر 2023 – مارس 2024 وأبريل – أغسطس 2024)، مما يشير إلى استمرار الأزمة. ومع ذلك، فإن الزيادة غير ذات الدلالة الإحصائية في MRSA قد تكون مؤشرًا على زيادة الانتقال المتقاطع للبكتيريا في ظل ظروف الاكتظاظ داخل المستشفيات والملاجئ.
الآثار والتوصيات
تؤكد هذه النتائج على الأزمة الصحية المتفاقمة في غزة، حيث أدى انهيار النظام الصحي إلى بيئة مثالية لانتشار البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية. إن نقص الإمدادات الطبية، وتدهور البنية التحتية، وظروف النزوح والاكتظاظ، كلها عوامل تساهم في تفاقم هذه المشكلة. إن عدم القدرة على علاج الإصابات الشائعة بسبب المقاومة المتزايدة للمضادات الحيوية يعني ارتفاع معدلات الوفيات والمضاعفات، حتى من الإصابات التي يمكن علاجها بسهولة في الظروف العادية.
يجب على المجتمع الطبي الدولي والحكومات اتخاذ إجراءات فورية لمعالجة هذه الأزمة. يوصي التقرير بما يلي:
1.وقف الغزو العسكري: يجب الدعوة لوقف فوري للغزو العسكري الإسرائيلي الذي أدى إلى تدمير المستشفيات والمختبرات ومحطات تحلية المياه، وهي بنى تحتية حيوية للصحة العامة.
2.تثبيت المختبرات: يجب دعم المختبرات المتبقية في غزة وتزويدها بالإمدادات الأساسية مثل وسائط الزراعة، وأقراص اختبار الحساسية، ووقود المولدات. هذا سيمكن من استعادة التشخيص القائم على الزراعة، وهو أمر حيوي لتوجيه العلاج بالمضادات الحيوية بشكل فعال.
3.تنسيق إمدادات الأدوية: يجب تنسيق إمدادات الأدوية، وخاصة المضادات الحيوية، عبر الوكالات الإنسانية والجهات المانحة، وربما من خلال منظمة الصحة العالمية. هذا يضمن أن الاستجابة لمقاومة مضادات الميكروبات تكون مصممة خصيصًا لتلبية الاحتياجات الموثقة للمستشفيات، وتجنب التبرعات العشوائية التي قد تزيد من مشكلة المقاومة.
إن معالجة هذه الأزمة تتطلب استجابة شاملة تتجاوز مجرد توفير المساعدات الطبية، لتشمل معالجة الأسباب الجذرية لانهيار النظام الصحي وضمان بيئة آمنة ومستقرة للسكان.
الخاتمة
تُعد أزمة مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية في غزة مثالًا صارخًا على الكوارث الصحية التي تنجم عن الصراعات المسلحة وانهيار البنى التحتية. إن النتائج التي توصلت إليها دراسة The Lancet ليست مجرد أرقام، بل هي شهادة على المعاناة الإنسانية التي تتطلب استجابة عالمية عاجلة. إن حماية الأرواح في غزة تتطلب أكثر من مجرد المساعدات الإنسانية؛ إنها تتطلب وقفًا فوريًا للأعمال العدائية، وإعادة بناء النظام الصحي، وتوفير الدعم المستدام لضمان حصول السكان على الرعاية الصحية الأساسية. بدون هذه الخطوات، ستستمر الأزمة في التفاقم، وستدفع غزة ثمنًا باهظًا في الأرواح والمعاناة.