يحد من الإفراط في المضادات الحيوية.. اختبار جديد يمكنه التمييز بين العدوى الفيروسية والبكتيرية
رغم التقدم الطبي، فإن التمييز السريع والدقيق بين العدوى الفيروسية والبكتيرية لا يزال من بين أكبر تحديات الصحة العالمية. الأمر الذي يكلف العالم أثمانا باهظة إثر توصيف المضادات الحيوية في غير موضعها.
طوّر علماء من كلية الطب في جامعة “ستانفورد” (Stanford University) اختبارا تشخيصيا يمكنه التمييز بين العدوى البكتيرية والفيروسية بسرعة ودقة بلغت 90%. وتعد الدراسة، التي نشرت في دورية “سِل ريبورتس ميديسن” (Cell Reports Medicine) يوم 20 ديسمبر/كانون الأول 2022، أول اختبار يفي بالمعايير التي وضعتها منظمة الصحة العالمية.
خطورة التوصيف الخاطئ
يتم إعطاء المضادات الحيوية في أغلب البلدان النامية بالخطأ لحالات العدوى الفيروسية، مما يجعلها غير مجدية. إذ تعطى المضادات الحيوية إلى نحو 70-80% من حالات العدوى الفيروسية بدلا من العدوى البكتيرية كما يفترض. وبصرف النظر عن عدم جدواها في العلاج، فإن الإسراف في إعطائها على هذا النهج تسبب في زيادة مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية، مما يجعلها غير فعالة في مكافحة العدوى البكتيرية.
وبحسب البيان الصحفي الذي نشرته كلية الطب في جامعة “ستانفورد”، فإن الأمر لا يقتصر فقط على البلدان النامية، بل إن الولايات المتحدة تواجه مشكلة مماثلة، إذ توصف المضادات الحيوية إلى نحو 30-50% من حالات العدوى الفيروسية.
وفي هذا الصدد، يقول بورفيش خاتري، أستاذ مساعد في الطب وعلوم البيانات الطبية الحيوية في جامعة ستانفورد وقائد الدراسة، إن “المقاومة البكتيرية للمضادات الحيوية آخذة في الارتفاع. ولذا، فإن هناك الكثير من الجهود التي تبذل للحد من الاستخدام المفرط للمضادات الحيوية. ويعد التشخيص الدقيق لنوعية العدوى -سواء كانت بكتيرية أو فيروسية- أحد أكبر التحديات الصحية عالميا”.
وتشمل الطرق الحالية لتمييز العدوى الفيروسية من البكتيرية استزراع العامل الممرض على أطباق مخصصة لهذا الغرض؛ وهو ما يستغرق عدة أيام، أو استخدام اختبار “تفاعل البلمرة المتسلسل” “بي سي آر” (PCR)، الذي يتطلب معرفة مسبقة بالعامل المُمرض والذي هو موضع البحث عنه في الأساس.
ويعد هذا هو السبب في أن الأطباء يصفون المضادات الحيوية في كثير من الحالات بشكل تجريبي. إذ يشير خاتري إلى أن الأطباء “سوف يعطوك مضادا حيويا، وإن تحسنت فأنت مصاب بعدوى بكتيرية، وإن لم تتحسن فهي عدوى فيروسية، وعندها يتم إيقاف المضاد الحيوي”.
اختبار يحقق المعايير العالمية
وبفضل هذا الاختبار الذي طوّره العلماء والذي يعتمد على التعبير الجيني، فإن الأطباء في جميع أنحاء العالم سيتمكنون الآن من التمييز بسرعة ودقة بين العدوى الفيروسية والبكتيرية، ومن ثم تقليل الإفراط في استخدام المضادات الحيوية في غير موضوعها.
ويعتمد الاختبار المطور بشكل أساسي على الكيفية التي يستجيب بها الجهاز المناعي للعدوى. ويعد هذا أول اختبار تشخيصي من نوعه يتم التحقق من كفاءته عبر مجموعة واسعة ومتنوعة من البشر. وقد شملت البيانات 4754 شخصا من مختلف الأعمار والجنس من 35 دولة، هم جميعا مصابون بعدوى معروفة.
ويعد هذا الاختبار الوحيد الذي يلبي الأهداف التي وضعتها منظمة الصحة العالمية من أجل مجابهة مشكلة مقاومة المضادات الحيوية.
ومن بين هذه الأهداف أن تكون حساسية الاختبار (القدرة على تحديد الحالات الإيجابية الفعلية بشكل صحيح) 90% على الأقل، وأن تكون نوعية الاختبار (القدرة على تمييز الحالات السلبية الفعلية بالشكل الصحيح) 80%، وذلك حتى يتم تمييز العدوى الفيروسية من البكتيرية بالشكل الفعال.
وقد حقق الاختبار 90% حساسية و90% كفاءة نوعية. وهو بذلك أول اختبار تشخيصي يلبي، بل يتجاوز، المعايير التي اقترحتها منظمة الصحة العالمية.
اسأل جهاز المناعة
ويعد الاختبار واحدا من مجموعة جديدة من الاختبارات التشخيصية التي تستند إلى دراسة كيفية تفاعل الجهاز المناعي للمريض لتحديد نوع العدوى. إذ يقيس الاختبار مدى التعبير عن بعض الجينات التي تشارك في الاستجابة المناعية للمضيف. وقد حدد الفريق 8 جينات يتم التعبير عنها بشكل مختلف في العدوى البكتيرية مقابل العدوى الفيروسية.
ولتوضيح الأمر، يقول خاتري “بدلا من أن نسأل عن العامل الممرض نفسه، فإننا نسأل الجهاز المناعي الذي اعتاد على التمييز بين العدوى الفيروسية والبكتيرية، وكيفية الاستجابة لهما منذ ملايين السنين”.
ونظرا لأن الاختبارات التي ترصد الكيفية التي يستجيب بها المضيف تستند إلى بيانات مستقاة من أوروبا الغربية وأميركا الشمالية، فإن هذه الاختبارات تفشل في تمييز أنواع العدوى السائدة في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. إذ تفشل هذه الاختبارات حينها في تمييز الاختلافات الدقيقة بين الالتهابات البكتيرية والفيروسية داخل الخلايا.
تباين في مكان الإصابة
ويفسر خاتري هذا الأمر قائلا “من الناحية الوبائية، فإن العدوى البكتيرية في البلدان المتقدمة تكون نتاجا لبكتيريا تتكاثر خارج الخلية البشرية”، ومن بينها البكتيريا الإشريكية القولونية (Escherichia coli) وتلك التي تسبب التهاب الحلق. في حين تحدث العدوى البكتيرية الشائعة مثل التيفوس والسل في البلدان النامية داخل الخلايا، وذلك عن طريق البكتيريا التي تتكاثر مثلها مثل الفيروسات داخل الخلية البشرية.
وهنا يشير خاتري إلى أن “للجهاز المناعي استجابة مختلفة بناء على مكان حدوث العدوى البكتيرية داخل أو خارج الخلية. ويتمثل مكمن الصعوبة في حدوث العدوى البكتيرية داخل الخلية، إذ تتداخل مساراتها مع استجابة العدوى الفيروسية”.
وقد تمكن الاختبار من تمييز العدوى البكتيرية التي تحدث خارج الخلية عن العدوى الفيروسية بدقة تزيد عن 80%، في حين ارتفعت هذه النسبة من 40% إلى 70% إذا كانت العدوى البكتيرية حادثة داخل الخلايا.
يذكر أن الاختبار لا يتطلب سوى عينة دم، ويستغرق من 30 إلى 45 دقيقة. وقد تقدم الفريق بالفعل بطلب للحصول على براءة اختراعه.