الأخبارمقالات وتدوينات

قمة عالمية للطب التقليدي: منظمة الصحة العالمية تعقد القمة العالمية الثانية لتعزيز البحث والابتكار والتكامل بين الطب التقليدي والحديث

قمة عالمية للطب التقليدي

في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها القطاع الصحي عالميًا، ومع تصاعد الاهتمام بالنهج الشامل للرعاية الصحية، تعقد منظمة الصحة العالمية القمة العالمية الثانية للطب التقليدي، في خطوة تعكس إدراكًا متزايدًا لأهمية هذا القطاع ودوره المتنامي في دعم النظم الصحية وتعزيز صحة المجتمعات.

تأتي هذه القمة استكمالًا لجهود دولية متواصلة تهدف إلى إعادة تموضع الطب التقليدي ضمن الأطر الصحية الحديثة، ليس بوصفه بديلًا عن الطب الحديث، بل كمكوّن تكاملي قائم على أسس علمية وبحثية، يسهم في تحسين جودة الرعاية الصحية وتوسيع خيارات العلاج الآمن والفعال.

يُعد الطب التقليدي، بما يشمله من ممارسات علاجية قائمة على الأعشاب الطبية، والوخز بالإبر، والطب الصيني التقليدي، والطب العربي والإسلامي، والطب الهندي (الأيورفيدا)، من أقدم أنماط الرعاية الصحية التي اعتمدتها البشرية عبر قرون طويلة. وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن نسبة كبيرة من سكان العالم، خصوصًا في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، تعتمد جزئيًا أو كليًا على الطب التقليدي في تلبية احتياجاتها الصحية الأولية.

وتركّز القمة العالمية الثانية للطب التقليدي على عدد من المحاور الاستراتيجية، في مقدمتها تعزيز البحث العلمي القائم على الأدلة، ودعم الابتكار في تطوير منتجات علاجية آمنة وفعالة، ووضع أطر تنظيمية وتشريعية تضمن جودة الممارسات وحماية المرضى. كما تسعى القمة إلى تشجيع التكامل المنهجي بين الطب التقليدي والطب الحديث داخل النظم الصحية الوطنية، بما يحقق الاستفادة القصوى من كلا النهجين.

ويمثل البحث العلمي أحد أعمدة هذه القمة، حيث تؤكد منظمة الصحة العالمية على ضرورة إخضاع ممارسات الطب التقليدي للدراسات السريرية والتقييمات العلمية الصارمة، بهدف التحقق من فعاليتها وسلامتها. ويُنظر إلى هذا التوجه على أنه خطوة حاسمة لمواجهة الاستخدام العشوائي أو غير المنضبط لبعض العلاجات التقليدية، وضمان إدماجها ضمن بروتوكولات علاجية قائمة على الدليل.

كما تبرز مسألة الابتكار كأحد الملفات الرئيسية المطروحة على طاولة القمة، لا سيما في ما يتعلق بتوظيف التقنيات الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحيوية، في دراسة المركبات الطبيعية وتطوير أدوية جديدة مستخلصة من مصادر تقليدية. ويُتوقع أن يسهم هذا المسار في فتح آفاق واسعة أمام صناعة دوائية أكثر تنوعًا واستدامة.

وتولي القمة اهتمامًا خاصًا بقضية الحوكمة والتنظيم، إذ تشدد منظمة الصحة العالمية على أهمية سنّ تشريعات وطنية واضحة تنظم ممارسات الطب التقليدي، وتحدد معايير التدريب والترخيص، وتكافح الادعاءات الطبية غير المثبتة. ويُعد ذلك عنصرًا أساسيًا لضمان سلامة المرضى وبناء الثقة بين مقدمي الخدمات الصحية والمجتمع.

وفي سياق متصل، تسعى القمة إلى تعزيز التعاون الدولي وتبادل الخبرات بين الدول، خصوصًا تلك التي تمتلك إرثًا عريقًا في مجال الطب التقليدي. ويُنظر إلى هذا التعاون باعتباره فرصة لتوحيد الجهود البحثية، وتطوير قواعد بيانات عالمية، ودعم نقل المعرفة بشكل منظم وأخلاقي.

وتكتسب هذه القمة أهمية خاصة في ظل التحديات الصحية العالمية المتزايدة، بما في ذلك الأمراض المزمنة، والضغوط المتصاعدة على النظم الصحية، والحاجة إلى حلول علاجية أكثر شمولية واستدامة. ومن هذا المنطلق، ترى منظمة الصحة العالمية أن التكامل المدروس بين الطب التقليدي والحديث يمكن أن يشكل رافدًا مهمًا لتعزيز التغطية الصحية الشاملة وتحسين جودة الحياة.

في المحصلة، تعكس القمة العالمية الثانية للطب التقليدي توجهًا دوليًا جادًا نحو إعادة تعريف مكانة هذا القطاع ضمن المنظومة الصحية الحديثة، على أسس علمية وتنظيمية واضحة. وبينما يبقى الطريق مفتوحًا أمام مزيد من البحث والتطوير، فإن هذه القمة تمثل محطة مفصلية في مسار بناء نموذج صحي أكثر تكاملًا، يوازن بين إرث الماضي ومتطلبات الحاضر وتحديات المستقبل.

كاتب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى