يدين تجمع الأطباء الفلسطينيين المستقلين بأشد العبارات قرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي وتهديدها بوقف عمل أكثر من 30 مؤسسة طبية وإنسانية دولية عاملة في قطاع غزة، ويعتبره تصعيدًا خطيرًا يشكّل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، واستهدافًا مباشرًا لما تبقّى من ركائز المنظومة الصحية المنهكة في القطاع.
يأتي هذا القرار في وقت يمر فيه قطاع غزة بواحدة من أخطر الكوارث الإنسانية والطبية في العصر الحديث، حيث تعرضت المستشفيات والمراكز الصحية للتدمير أو التعطيل، وتفاقمت أزمة نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، في ظل إرهاق شديد للطواقم الصحية التي تعمل تحت القصف والتهديد المستمر. وفي مثل هذه الظروف، فإن تقييد أو إنهاء عمل المؤسسات الطبية الدولية لا يمكن اعتباره إجراءً إداريًا، بل هو قرار ذو تبعات قاتلة على حياة المدنيين.
لقد شكّلت المؤسسات الطبية والإنسانية الدولية على مدار الأشهر الماضية شريان حياة حقيقي لسكان غزة، من خلال تقديم الرعاية الطبية الطارئة، وعلاج الجرحى والمرضى، ودعم أقسام الطوارئ، وخدمات الأمومة والطفولة، إضافة إلى إسناد المستشفيات المحلية بالإمدادات والخبرات. إن استهداف هذه المؤسسات أو التضييق عليها يمثل عقابًا جماعيًا للسكان المدنيين، وهو محظور بشكل واضح بموجب اتفاقيات جنيف ومبادئ القانون الدولي الإنساني.
إن الذرائع التي تطرحها سلطات الاحتلال تحت مسميات “تنظيمية” أو “إجرائية” لا يمكن أن تخفي الحقيقة الأساسية، وهي تسييس العمل الإنساني واستخدامه كأداة ضغط. كما أن هذه السياسات تشكّل انتهاكًا مباشرًا لمبادئ الحياد والاستقلال وعدم التحيز التي يقوم عليها العمل الطبي والإنساني في مناطق النزاع.
ويحمّل تجمع الأطباء الفلسطينيين المستقلين سلطات الاحتلال المسؤولية الكاملة عن أي تدهور إضافي في الوضع الصحي في قطاع غزة، وعن أي فقدان يمكن تفاديه في أرواح المدنيين نتيجة هذه الإجراءات. إن تجارب النزاعات السابقة تؤكد أن تقييد وصول المساعدات الطبية يؤدي حتمًا إلى ارتفاع معدلات الوفيات، وانتشار الأمراض، وخلق أزمات صحية طويلة الأمد.
وعليه، فإننا ندعو المجتمع الدولي، والأمم المتحدة، وكافة الهيئات الأممية ذات الصلة إلى التدخل الفوري والجاد لوقف هذا القرار التعسفي. كما نحث منظمة الصحة العالمية، والاتحادات الطبية الدولية، والمنظمات الإنسانية على اتخاذ موقف واضح وفاعل لحماية العمل الطبي الإنساني وضمان استمراره دون عوائق في قطاع غزة.
إن الصمت الدولي تجاه هذه السياسات لا يمثل حيادًا، بل يرقى إلى تواطؤ غير مباشر، ويشكّل سابقة خطيرة تهدد أسس القانون الدولي الإنساني في كل مكان.
ورغم كل ذلك، يؤكد تجمع الأطباء الفلسطينيين المستقلين أن استهداف العمل الطبي والإنساني لن يطمس الحقيقة ولن يكسر صمود الشعب الفلسطيني. فالصحة حق إنساني أصيل، لا يجوز المساس به، خاصة في أوقات الحرب والنزاعات المسلحة.





